سورة هود - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يهينه، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} يجب عليه، {عَذَابٌ مُقِيمٌ} دائم.


{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} عذابنا، {وَفَارَ التَّنُّورُ} اختلفوا في التنور قال عكرمة والزهري: هو وجه الأرض، وذلك أنه قيل لنوح: إذا رأيت الماء فار على وجه الأرض فاركب السفينة.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: فار التنور أي: طلع الفجر ونور الصبح.
وقال الحسن ومجاهد والشعبي: إنه التنور الذي يخبز فيه، وهو قول أكثر المفسرين.
ورواية عطية عن ابن عباس قال الحسن: كان تنورا من حجارة، كانت حواء تخبز فيه فصار إلى نوح عليه السلام، فقيل لنوح: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك.
واختلفوا في موضعه، قال مجاهد والشعبي: كان في ناحية الكوفة، وكان الشعبي يحلف: ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة. وقال: اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة. وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كندة، وكان فوران الماء منه عَلَمًا لنوح عليه السلام.
وقال مقاتل: كان ذلك تنور آدم، وكان بالشام بموضع يقال له: عين وردة.
وروي عن ابن عباس: أنه كان بالهند.
والفوران: الغليان.
قوله تعالى: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا} أي في السفينة، {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} الزوجان: كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر، يقال لكل واحد منهما زوج، يقال: زوج خف وزوج نعل، والمراد بالزوجين ها هنا: الذكر والأنثى.
قرأ حفص هاهنا وفي سورة المؤمنين {مِنْ كُلٍّ} بالتنوين أي: من كل صنف زوجين اثنين، ذكره تأكيدا.
وفي القصة: أن نوحا عليه الصلاة والسلام قال: يا رب كيف أحمل من كل زوجين اثنين؟ فحشر الله إليه السباع والطير، فجعل يضرب بيده في كل جنس فيقع الذكر في يده اليمنى والأنثى في يده اليسرى، فيحملها في السفينة.
{وَأَهْلَك} أي: واحمل أهلك، أي: ولدك وعيالك، {إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} بالهلاك، يعني: امرأته واعلة وابنه كنعان، {وَمَنْ آمَنَ} يعني: واحمل مَنْ آمن بك، كما قال الله تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ} واختلفوا في عددهم: قال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظي: لم يكن في السفينة إلا ثمانية نفر: نوح، وامرأته، وثلاثة بنين له سام وحام ويافث، ونساؤهم.
وقال الأعمش: كانوا سبعة نوح وثلاثة بنين له، وثلاث كنائن له.
وقال ابن إسحاق: كانوا عشرة سوى نسائهم، نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة أناس ممن كان آمن به وأزواجهم جميعا.
وقال مقاتل: كانوا اثنين وسبعين نفرًا رجلا وامرأةً وبنيه الثلاثة ونساءَهم، فجميعهم ثمانية وسبعون، نصفهم رجال ونصفهم نساء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان في سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم.
قال مقاتل: حمل نوح معه جسد آدم فجعله معترضا بين الرجال والنساء وقصد نوحًا جميعُ الدواب والطيور ليحملها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أول ما حمل نوح الدرة وآخر ما حمل الحمار، فلما دخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس بذنبه، فلم يستقل رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك ادخل: فنهض فلم يستطع، حتى قال نوح: ويحك ادخل وإن الشيطان معك كلمة زلت على لسانه، فلما قالها نوح خلَّى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان، فقال له نوح: ما أدخلك عليَّ يا عدو الله؟ قال: ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك، قال: اخرج عني يا عدو الله، قال: مالك بُدٌّ من أن تحملني معك، فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك.
وروي عن بعضهم: أن الحية والعقرب أتيا نوحا فقالتا: احملنا، فقال: إنكما سبب الضر والبلاء، فلا أحملكما، فقالتا له: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك فمن قرأ حين خاف مضرتهما {سلام على نوح في العالمين} ما ضرَّتَاه.
قال الحسن: لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض، فأما ما يتولد من الطين من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منها شيئا.


{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي: وقال لهم نوح اركبوا فيها أي في السفينة، {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {مَجْريها} بفتح الميم أي: جريها {ومُرْساها} بضمها، وقرأ محمد بن محيصن {مَجْريها ومَرساها} بفتح الميمين من جرت ورست، أي بسم الله جريها ورسوها، وهما مصدران. وقرأ الآخرون: {مُجراها ومُرساها} بضم الميمين من أجريت وأرسيت، أي: بسم الله إجراؤها وإرساؤها وهما أيضا مصدران، كقوله: {أنزلني منزلا مباركا} [المؤمنون- 29] و{أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} [الإسراء 80] والمراد منها: الإنزال والإدخال والإخراج. {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} قال الضحاك: كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال: بسم الله، فجرت، وإذا أراد أن ترسوَ قال: بسم الله، فَرَسَتْ.
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} والموج ما ارتفع من الماء إذا اشتدت عليه الريح، شبَّهه بالجبال في عظمه وارتفاعه على الماء. {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} كنعان، وقال عبيد بن عمير: سام، وكان كافرا، {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} عنه لم يركب في السفينة: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب بإظهار الباء، والآخرون يدغمونها في الميم، {وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} فتهلك.
{قَالَ} له ابنه {سَآوِي} سأصير وألتجئ، {إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} يمنعني من الغرق، {قَالَ} له نوح {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} من عذاب الله، {إِلا مَنْ رَحِمَ} قيل: {من} في محل الرفع، أي لا مانع من عذاب الله إلا الله الراحم. وقيل: {من} في محل النصب، معناه لا معصوم إلا من رحمه الله، كقوله: {في عِيشَة راضية} [الحاقة- 21] أي: مرضية، {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ} فصار، {مِنَ الْمُغْرَقِينَ}.
وروي أن الماء علا على رؤوس الجبال قدر أربعين ذراعا. وقيل: خمسة عشر ذراعا.
وروي أنه لما كثر الماء في السكك خشيت أم لصبي عليه، وكانت تحبه حبا شديدا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها ذهبت حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبي بيديها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9